الْوُجُودُ
الْأَوَّلُ مِنَ الْصِّفَاتِ الْوَاجِبَةِ لَهُ تَعَالَى الْوُجُودُ
وَاخْتُلِفَ فِى مَعْنَاهُ
فَقَالَ غَيْرُ الْإمَامِ الْأَشْعَرِى وَمَنْ تَبِعَهُ الْوُجُودُ هِیَ الْحَالُ الْوَاجِبَةُ لِلذَّاتِ مَادَامَتِ الْذَّاتُ وَهٰذِهِ الْحَلُ لَا تُعَلَّلُ بِعِلَّةِ
وَمَعْنَى كَوْنِهَا حَاَلًا أَنَّهَا لَمْ تَرْتَقِ إِلَى دَرَجَةِ الْمَوْجُودِ حَتَّى نُشَاهَدَ وَلَمْ تَنْحَطَّ إِلَى دَرَجَةِ الْمَعْدُمِ حَتَّى تَكُوْنَ عَدَمًا مَحْضًا بَلْ هِىَ وَاسِطَةةٌ بَيْنَ الْمَوْجُوْدِ وَالْمَعْدُوْمِ
فَوُجُودُ زَيْدٍ مَثَلًا حَالٌ وَاجِبَةٌ لِذَاتِهِ اَىْ لَا تَنْفَكُّ عَنْهَا وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا تُعَلَّلُ بِعِلَّةٍ اَنَّهَا لَمْ تَنْشَأْ عَنْ شَيْءٍ بِخِلَافِ كَوْنِ زَيْدٍ قَادِرًا مَثَلًا فَإِنَّهُ نَشَأَ عَنْ قُدْرَتِهِ
فَكَوْنُ زَيْدٍ قَادِرًا مَثَلًا وَوُجُوْدُهُ حَالَانِ قَائِمَانِ بِذَاتِهِ غَيْرُ مَحْسُوْسَيْنِ بِحَاسَّةٍ مِنَ الْحَوَاسِ الْخَمْسِ إِلَا أَنَّ الْاَوَّلَ لَهُ عِلَّةٌ يَنْشَأُ عَنْهَا وَهِىَ الْقُدْرَةُ وَالثَّانِى لَا عِلَّةَ لَهُ
وَهٰذَا ضَابِطٌ لِلْحَالِ النَّفْسِيَّةِ وَكُلُّ حَالٍ قَائِمَةٍ بِذَاتٍ غَيْرُ مُعَلَّلَةٍ بِعِلَّةٍ تُسَمَّى صِفَةً نَفًسِيَّةً وَهِىَ الَّتِى لَا تُعْقَلُ الذَّاتُ بِدُوْنِهَا اَىْ لَا تُتَصَوَّرُ الذَّاتُ بِالْعَقْلِ وَتُدْرَكُ إِلَا بِصِفَتِهَا النَّفْسِيَّةِ كَالتَّحَيَّزِ لِلْجِرْمِ فَإِنَّك إِنْ تَصَوَّرْتَهُ وَاَدْرَكْتَهُ اَدْرَكْتَ اَنَّهُ مُتَحَيِّزٌ
وَعَلَى هٰذَا الْقَوْلِ وَهُوَ كَوْنُ الْوُجُوْدِ حَلًا فَذَاتُ اللهِ تَعَالَى غَيْرُ وُجُوْدِهِ وَذَاتُ الْحَوَادِثِ غَيْرُ وُجُوْدَاتِهَا
وَقَالَ الْأَشْعَريِّ وَمَنْ تَبِعَهُ الْوُجُوْدُ عَيْنُ الْمَوْجُوْدِ فَعَلٰى هَذَا وُجُوْدُ الله عَيْنُ ذَاتِهِ غَيْرُ زَائِدٍ عَلَيْهِ فِی الْخَارِجِ وَوُجُوْدُ الْحَادِثِ عَيْنُ ذَاتِهِ
وَعَلى هٰذَا لَا يَظْهَرُ عَدُّ الْوُجُوْدِ صِفَةً لِأَنَّ الْوُجُوْدَ عَيْنُ الْذَاتِ وَالصِّفَةُ غَيْرُ الذَّاتِ
بِخِلَافِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ جَعْلَهُ صِفَةً ظَاهِرٌ
وَمَعْنَى وُجُوْبِ الْوُجُوْدِ لَهُ تَعَلَى عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ الصِّفَةَ النَّفْسِيَّةِ الَّتِى هِىَ حَالٌ ثَابِتَةٌ لَهُ تَعَالَى
وَمَعْنَاهُ عَلَى الثَّانِى أَنَّ ذَاتَهُ تَعَالٰى مَوْجُوْدَةٌ مُحَقَّقَةٌ فِى الْخَارِجِ بِحَيْثُ لَوْكُشِفَ عَنَّا الْحِجَابُ لَرَأَيْنَاهَا
فَذَاتُ اللهِ تَعَالٰى مُحَقَّقَةٌ إِلَا أَنَّ الْوُجُوْدَ غَيْرُهَا عَلَى الْأَوَّلِ وَهِىَ هُوَ عَلَى الثَّانِى
*
وَالدَّلِيْلُ عَلٰى وُجُوْدِهِ تَعَالَى حُدُوْثُ الْعَالَمِ أَىْ وُجُوْدُهُ بَعْدَ عَدَمٍ وَالْعَالَمُ أَجْرَامٌ كَاذَوَاتِ وَاَعْرَاضٌ كَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُوْنِ وَالْأَلْوَانِ
وَاِنَّمَاكَانَ حُدُوْثُ الْعَالَمَ دَلِيْلًا عَلٰى وُجُوْدِ اللهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَايَصِحُّ أَنْ يَكُوْنَ حَادِثَةً بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ مُوْجِدٍ يُوجِدُهُ لِأنَّهُ قَبْلَ وُجُوْدِهِ كَانَ وُجُوْدُهُ مُسَاوِيًا لِعَدَمِهِ فَلَمَّا وُجِدَ وَزَالَ عَدَمُهُ عَلِمْنَا أَنَّ وُجُوْدَهُ تَرَجَّحَ عَلٰى عَدَمِهِ وَقَدْ كَانَ هٰذَا الْوُجُوْدُ مُسَاوِيًا لِلْعَدَمِ فَلَايَصِحُّ أَنْ يَكُوْنَ تَرَجَّحَ عَلَى الْعَدَمِ بِنَفْسِهِ
فَتَعَيَّنَ أَنَّ لَهُ مُرَجِّحًا غَيْرَهُ وَهُوَ الَّذِى اَوْجَدَه لِأَنَّ تَرَجُّحَ اَحَدِ الْاَمْرَيْنِ الْمُتَسَوَيْنِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ مُحَالٌ
مَثَلًا زَيْدٌ قَبْلَ وُجُوْدِهِ يَجُوْزُ أَنْ يُوْجَدُ فِى سَنَةٍ كَذَا وَيَجُوْزُ أَنْ يُّبْقَ عَلَى عَدَمِهِ فَوُجُوْدُهُ مُسَاوِيًا لِعَدَمِهِ
فَلَمّا وُجِدَ وَزَالَ عَدَمُهُ فِى الزَّمَنِ الَّذِى وُجِدَ فِيْهِ عَلِمْنَا أَنَّ وُجُوْدَهُ بِمُجِدٍ لَا مِنْ نَفْسِهِ
فَحَاصِلُ الدَّلِيْلِ أَنْ تَقُوْلَ اَلْعَالَمُ مِنْ اَجْرَامٍ وَاَعْرَاضٍ حَادِثٌ اَىْ مُوْجَدٌ بَعْدَ عَدَمٍ وَكُلُّ حَادِثٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُحْدثٍ
فَيُنْتَجُ أَنَّ الْعَالَمَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُحْدِثٍ وَهٰذَا الَّذِى يُسْتَفَادُ بِالدَّلِيْلِ الْعَقْلِى
وَاَمَّا كَوْنُ الْمُحْدِثِ يُسَمَّى بِلَفْظِ الْجَلَالَةِ الشَّرِيْفِ وَبِبَقِيَّةِ الْاَسْمَاءِ فَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْاَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ اَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فَتَنَبَّهُ لِهٰذِهِ الْمَسْئَلَةِ
وَهٰذَا الدَّلِيْلُ الْذِى سَبَقَ وَهُوَ حُدُوْثُ الْعَالَمِ دَلِيْلُ وُجُوْدِهِ تَعَالٰى
*
وَاَمَّا الدَّلِيْلُ عَلٰى حُدُوْثُ الْعَالَمِ فَاعْلَمْ أَنَّ الْعَالَمَ اَجْرَامٌ وَاَعْرَاضٌ فَقَطْ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْاَعْرَاضُ كَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُوْنِ حَادِثَةٌ بِدَلِيْلِ اَنَّكَ تُشَاهِدُهَا مُتَغَيِّرَةً مِنْ وُجُوْدٍ إِلَى عَدَمٍ وَمِنْ عَدَمٍ إِلَى وُجُوْدٍ كَمَا تَرَاهُ فِى حَرَكَةِ زَيْدٍ
فَإِنَّهَا تَنْعَدِمُ إِنْ كَانَ سَاكِنًا وَسُكُوْنِهِ يَنْعَدِمُ اِنْ كَانَ مُتَحَرِّكًا
فَسُكُنُهُ الَّذِى بَعْدَ حَرَكَتِهِ وُجِدَ بَعْدَ اَنْ كَانَ مَعْدُوْمًا بِالْحَرَكَةِ وَحَرَكَتُهُ الَّتِى بَعْدَ سُكُوْنِهِ وُجِدَتْ بَعْدَ اَنْ كَانَتْ مَعْدُوْمَةً بِسُكُنِهِ
وَالْوُجُوْدُ بَعْدَ الْعَدَمِ هُوَ الْحُدُوْثُ فَعَلِمْتَ اَنَّ الْاَعْرَاضَ حَادِثَةٌ
وَالْاَجْرَامُ مُلَازِمَةٌ لِلْاَعْرَاضِ لِأَنَّهُ لَا تَخْرُجُ عَنْ حَرَكَةٍ وَسُكُوْنٍ وَكُلُّ مَالَازَمَ الْحَادِثَ فَهُوَ حَادثٌ اَىْ مَوْجُوْدٌ بَعْدَ عَدَمٍ فَالْاَرَامُ حَادِثَةٌ اَيْضًا كَالْاَعْرَاضِ
فَحَاصِلُ اَلدَّليْلُ اَنْ تَقُوْلَ الْاَجْرَامُ مُلَازِمَةٌ لِلْاَعْرَاضِ الْحَادِثَةِ وَكُلُّ مَالَازَمَ الْحَادِثَ حَادثٌ فَيُنْتَجُ اَنَّ الْاَجْرَامُ حَادِثَةٌ
وَحُدُوْثُ الْاَمْرَينِ اَعْنِى الْاَجْرَامُ وَالْاَعْرَاضُ اَىْ وُجُوْدُهُمَا بَعْدَ عَدَمٍ دَلِيْلُ وَوُجُوْدُهِ تَعَالى لأَنَّ كُلُّ حَادِسٍ لَابُدَّ لَهُ مِنْ مُحْدِثٍ وَلَا مُحْدِثَ لِلْعَالَمِ اِلَّاللهُ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَلَهُ كَمَا سَيَأْتِى فِى دَلِيْلِ الْوَحْدَانِيَّةِ لَهُ تَعَالَى
وَهٰذَا هُوَ الدَّلِيْلُ الْاِجْمَالِى الَّذِى يَجِبُ عَلَى كُلِّ مكَلَّفٍ مِنْ ذَكَرٍ وَاُنْثٰى مَعْرِفَتُهُ كَمَا يَقُوْلُ اِبْنُ الْعَرَبِى وَالسَّنُوْسِى وَيُكَفِّرَانِ مَنْ لَمْ يَعْرِفُهُ فَاحْذَرْ أَنْ يَكُوْنَ فِى اِيْمَانِكَ خِلَافٌ
*
القدم
*
اَلْبَقَاءُ
اَلصِّفَةُ الثَّالِثَةُ الْوَاجِبَةُ لَهُ تَعَالٰى اَلْبَقَاءُ وَمَعْنَاهُ عَدَمُ الْأَخِرِيَّةِ لِلْوُجُوْدِ
فَمَعْنَى كَوْنِ اللهِ تَعَالٰى بَاقِيًا اَنَّهُ لَا آخِرَ لِوُجُوْدِهِ
وَالدَّلِيْلُ عَلٰى بَقَائِهِ تَعَالٰى اَنَّهُ لَوْ جَازَ اَنْ يُلْحِقَهُ الْعَدَمُ لَكَنَ حَادِثًا فَيَفْتَقِرُ اِلَى مُحْدِثٍ وَيَلْزَمُ الدَّوْرُ اَوِ التَّسلْسُلُ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَعْرِيْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِى دَلِيْلِ الْقِدَمِ
وَتَوْضِيْحُهُ اَنَّ الشَّيْئَ الَّذِى يَجُوْزُ عَلَيْهِ الْعَدَمُ يَنْتَفِى عَنْهُ الْقِدَمُ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَحِقَهُ الْعَدَمُ يَكُوْنُ وُجُوْدُهُ جَائِزًا وَكُلُّ جَائِزٍ الْوُجُودِ يَكُوْنُ حَادِثًا وَكُلُّ حَادِثٍ يَفْتَقِرُ اِلَى مُحْدِثٍ وَهُوَ تَعَالٰى ثَبَتَ لَهُ الْقِدَمُ بِالدَّلِيْلِ الْمُتَقَدِّمِ وَكُلُّ مَا ثَبَتَ لَهُ الْقِدَمُ اِسْتَحَالَ عَلَيْهِ الْعَدَمُ فَدَلِيْلُ الْبَقَاءِ لَهُ تَعَالٰى هُوَ دَلِيْلُ الْقِدَمِ
وَحَاصِلُهُ اَنْ تَقُوْلُ لَوْ لَمْ يَجِبْ لَهُ الْبَقَاءُ بِأَنْ كَانَ يَجُوْزُ عَلَيْهِ الْعَدَمُ لَأنْتَفٰى عَنْهُ الْقِدَمُ وَالْقِدَمُ لَا يَصِحُّ انْتِفَائُهُ عَنْهُ تَعَالٰى لِلدَّلِيْلِ الْمُتَقَدِّمِ
وَهٰذَا هُوَ الدَّلِيْلُ الأِجْمَالِىُّ لِلْبَقَاءِ الَّذِى يَجِبُ عَلٰى كُلِّ شَخْصٍ اَنْ أَيَعْلَمَهُ
وَهٰكَذَا كُلُّ عَقِيْدَةٍ يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَهَا وَيَعْلَمَ دَليْلَهَا اَلْاِجْمَالِيَّ فَإِذَا عَرَفَ بَعْضَ اَلْعَقَائِدِ بِدَلِيْلِهِ وَلَمْ يَعْرِفِ الْبَاقِى بِدَلِيْلِهِ لَمْ يَكْفِ فِى الْاِيْمَانِ عَلٰى رَأْىِ مَنْ لَمْ يَكْتَفِ بِالتَّقْلِيْدِ
*
اَلْمُخَالَفَةُ لِلْحَوَادِث
اَلصِّفَةُ الرَّابِعَةُ الْوَاجِبَةُ لَهُ تَعَالٰى اَلْمُخَالَفَةُ لِلْحَوَادِث اَىْ اَلْمَخْلُوْقَاتِ
فَاللهُ مُخَالِفٌ لِكُلِّ مَخْلُوْقٍ مِنْ اِنْسٍ وَجِنٍّ وَمَلَكٍ وَغَيْرِهَا
فَلَا يَصِحُّ اِتِّصَافُهُ تَعَالٰى بِاَوْصَافِ الْحَوَادِثِ مِنْ مَشْىِ وَقُعُوْدٍ وَجَوَارِحَ
فَهُوَ تَعَالٰى مُنَزَّهٌ عَنِ الْجَوَارِحِ مِنْ فَمٍ وَعَيْنٍ وَاُذُنٍ وَغَيْرِهَا
فَكُلُّ مَا خَطَرَ بِبَالِكَ مِنْ طُوْلٍ وَعَرْضٍ وَقَصْرٍ وَسَمَنٍ فَاللهُ تَعَالٰى بِخِلَافِهِ تَنَزَّهَ اللهُ تَعَالٰى عَنْ جَمِيْعِ اَوْصَافِ الْخَلْقِ
وَالدَّلِيْلُ عَلٰى وُجُوْبِ الْمُخَالَفَةِ لَهُ تَعَالٰى أَنَّهُ لَوْكَانَ شَىْءٌ مِنَ الْحَوَادِثِ يُمَاثِلُهُ تَعَالٰى اَىْ إِذَا كَانَ اللهُ تَعَالٰى لَوْ فُرِضَ اِتِّصَافُهُ بِشَىْءٍ مِمَّا اِتَّصَفَ بِهِ الْحَادِثُ لَكَانَ حَادثًا
وَاِذَا كَانَ الله تَعَالٰى حَادِثًا لَافْتَقَرَ اِلَى مُحْدِثٍ وَمُحدِثُهُ اِلَى مُحْدِثٍ وَهٰكَذَا وَيَلْزَمُ الدَّوْرُ اَوِ التَّسَلْسُلُ وَكُلُّ مِنْهُمَا مُحَالٌ
وَحَاصِلُ الدَّلِيْلِ أَنْ تَقُوْلُ لَوْشَابَهَ اللهُ تَعَالٰى حَادِثًا مِنَ الحَوَادِثِ فِى شَيْءٍ لَكَانَ حَادِثًا مِثْلَهُ لِأَنَّ مَا جَازَ عَلٰى اَحَدِ الْمِثْلَيْنِ جَازَ عَلَى الآخَرَ وحُدُوْثُهُ تَعَالٰى مُسْتَحِيْلٌ لِأَنَّهُ تَعَالٰى وَاجِبٌ لَهُ الْقِدَمُ
وَاِذَا الْتَفَى عَنْهُ تَعَالٰى اَلْحُدُوْثُ ثَبَتَ مُخَالَفَتُهُ تَعَالٰى لِلْحَوَاِدِثِ
فَلَيْسَ بَيْنَهُ تَعَالٰى وَبَيْنَ الْحَوَادِثِ مُشَابَهَةٌ فِى شَيْءٍ قَطْعًا وَهٰذَا هُوَ الدَّلِيْلُ الْاِجْمَلِىُّ الْوَاجِبُ مَعْرِفَتُهُ كَمَا تَقَدَّمَ
*
الْقِيَامُ بِالنَّفْسِ
اَلصِّفَةُ الْخَامِسَةُ الْوَاجِبَةُ لَهُ تَعَالٰى الْقِيَامُ بِالنَّفْسِ اَىْ بِالذَّاتِ وَمَعْنَاهُ اَلْاِسْتِغْنَاءُ عَنِ الْمَحَلِّ وَالْمُخَصِّصِ وَالْمَحَلُّ الذَّاتُ وَالْمُخَصِّصُ الْمُوْجِدُ
فَمَعْنى كَوْنِ اللهِ تَعَالٰى قَائِمًا بِنَفْسِهِ اَنَّهُ غَنِيٌّ عَنْ ذَاتٍ يَقُوْمُ بِهَا وغَنِيٌّ عَنْ مُوْجِدٍ لِاَنّهُ تَعَالٰى هُوَ الْمُوْجِدُ لِلْاَشْيَاءِ
وَالدَّلِيْلُ عَلٰى اَنَّهُ تَعَالٰى قَائِمٌ بِنَفْسِهِ اَنْ تَقُوْلَ لَوْكَانَ اللهُ تَعَالٰى مُحْتَاجًا ٳلٰى الْمحلِّ اىْ ذَاتٍ يَقُوْمُ بِهَا كَمَا افْتَقَرَ الْبَيَاضُ اِلَى ذَاتِ الَّتِى يَقُوْمُ بِهَا لَكَانَ صِفَةً كَمَا اَنَّ البياضَ مَثَلًا صِفَةٌ
وَاللهُ تَعَالٰى لَا يَصِحُّ اَنْ يَكُوْنَ صِفَةً لِاَنَّهُ تَعَالٰى مُتَّصِفٌ بِالصِّفٙاتِ وٙالصِّفَةُ لٙا تَتّٙصِفُ بِالصِّفَةِ فٙلٙيْسَ اللهُ تٙعَالٰى بِصِفَةٍ
وَلَوِافْتَقَرَ اِلىَ مُوْجِدٍ يُوْجِدُهُ لَكَانَ حَادِثًا وَمُحْدِثُهُ يَكُوْنُ حَادِثًا اَيْضًا وَيَلْزَمُ الدَّوْرُ اَوِ التَّسَلْسُلُ فَثَبَتَ اَنَّهُ تَعَالٰى هُوَ الغِنَى اَلْمُطْلَقَ اَىْ غَنِىٌّ عَنْ كُلِّ شَىْءٍ
وَاَمَّا غِنَى الْخَلْقِ فَهُوَ غِنًى مُقَيَّدٌ اَىْ عَنْ شَيْءٍ دُوْنَ شَيْءٍ وَاللهُ يَتَوَلَّى هُدَاكَ
*